بغداد/ بشير الاعرجي- غزوان عمران
«الديمقراطية هي أقل انظمة الحكم سوءاً» بهذه العبارة المستقاة من الزعيم البريطاني تشرشل بدأ القاضي قاسم العبودي عضو مجلس المفوضية العليا للانتخابات و الناطق الرسمي باسمها ورشة (نحاور) التي اقامتها مؤسسة المدى للاعلام والثقافة والفنون لموضوعة المسوغ القانوني لقرارات هيئة المساءلة والعدالة وموقف المفوضية منها.
وسط حضور اعلامي متميز شاركت فيها القنوات الاعلامية المرئية والمقروءة والمسموعة، فضلاً عن شخصيات معنية بالجانب الانتخابي، حيث ادار الجلسة الزميل يوسف المحمداوي والتي اكد فيها القاضي العبودي عن عدة محاور تخص القوانين الانتخابية في العالم والنظام المستخدم في عدة دول، واختبار ما هو الانسب منها لتطبيقه في العراق.
وقال العبودي: ان مفهوم الديمقراطية لا يزال مفهوما لا يجد له مصداقية في أي دولة من العالم ولم يتحقق في أي دولة، آلية الديمقراطية هي الانتخابات وتداول السلطة وهذه الآلية محكومة بمجموعة من العوامل: وهي عوامل محلية تملي تبني نظام انتخابي معين وفقا لطبيعة مجتمع ودولة ما لذلك النظام، لكن هذه الآلية لا تتوقف اهميتها على التداول السلمي للسلطة وانما ينصرف الى التأثير على مجمل مؤسسات الدولة الديمقراطية.
النظام الانتخابي لا يؤثر فقط على استمرار التداول السلمي للسلطة لكن هنالك جوانب مهمة أخرى، من اهمها التجربة الحزبية وأيضاً شكل الدولة وطبيعة التحالفات في الدولة ولذلك عادة ما ترتبط هذه العوامل بنوع النظام الانتخابي، وعندما تنصرف إرادة النظام السياسي لتشكيل دولة معينة ونظام سياسي معين يتبنى نظاماً انتخابياً معينا يؤدي الى هذه النتيجة.
لكل نظام انتخابي مزايا وعيوب وهو ما سنبحثه ليس هنالك نظام انتخابي مثالي، ولا يصح وصف النظام الانتخابي بالحسن او القبيح فكل نظام انتخابي يحمل عيوبه ومزاياه وهنالك (212) نظاماً في العالم معظمها ملفقة بين النظامين الرئيسين : التمثيل النسبي ونظام الاغلبية ورغم سعي الانظمة في دول العالم الى تحقيق حلم النظام الأمثل لكن ايا من تلك الانظمة لم ينجح بعد.
النظام الانتخابي يؤثر على شكل الدولة فإذا أردنا نقل المزيد من الصلاحيات الى الاقاليم والوحدات المكونة للدولة او العكس، هذا يعتمد على شكل النظام الانتخابي الذي سيتم تبنيه.
تكرار الممارسة الديمقراطية المتمثلة بالانتخابات وتغير اشكالها ورموزها وصورها هذا لا ينعكس على الممارسات السياسية وانما ينعكس على الحياة برمتها حتى العلاقات الاجتماعية ومن خلال زياراتي الى دول العالم الديمقراطية وجدت ان هذا التأثير ينعكس أيضاً على الأثاث داخل المجالس التنفيذية.
العراق انتقل انتقالا دارماتيكياً من حكم شمولي غابت عنه التجارب الديمقراطية الى دولة ديمقراطية فتحت ابوابها على مصراعيها وبالتالي لا بد لهذه التجربة من ان تأخذ وقتها الكافي لكي تترسخ هذه المفاهيم، وما زالت العديد من المفاهيم الديمقراطية لم تترسخ بعد ولن تترسخ في وقت قصير، هذه المسألة تحتاج الى استقرار وحزمة من التشريعات والقوانين، لذا تمت دراسة الوضع في العراق من قبل الامم المتحدة التي كانت مسؤولة عن ملف الانتخابات وما زالت تعمل معنا كفريق مساعد لمعرفة النظام الانتخابي الانسب وليس الامثل وعادة النظام الانتخابي يفترض نظرياً ان يوفر ثلاثة عوامل رئيسة: هي السرعة والعدالة والفعالية، في مجتمع حديث العهد بالديمقراطية تكون الثقافة الانتخابية ضعيفة ووسائلها واجراءاتها والجهات التي تشرف عليها ضعيفة أيضاً لأنها في بداية التشكيل فكان أنسب نظام يمكن تبنيه هو نظام القائمة المغلقة والدائرة الواحدة فضلا عن عدم وجود قاعدة بيانات واحصاء دقيقين يمكن اسقاطهما على اصغر وحدة إدارية، فقاعدة البيانات الوحيدة المتوفرة هي بيانات وزارة التجارة والبطاقة التموينية التي تعطي صورة دقيقة عن مستوى المحافظة ولا يمكن النزول بها على مستوى القضاء او الناحية.
وهنالك أيضاً مشكلة الاقليات وتمثيلها خاصة في الدورة الاولى لمجلس النواب وبالتالي يجب ان تحظى بفرصة في جميع المحافظات، فكان نظام الدائرة الواحدة ينسجم مع الوضع وهذه كانت مزايا القائمة المغلقة وتتماشى مع المجتمع الديمقراطي قليل الخبرة، فضلا عن عدم وجود قاعدة بيانات انتخابية وثقافة انتخابية ضعيفة فإن نظام القائمة المغلقة يوفر سرعة في اداء الناخب الذي يحتاج الى دقيقة واحدة للتصويت على نظام القائمة المغلقة في ذلك الوقت المهم والحساس جداً لكن من اهم عيوب هذا النظام ان الناخب مجبر على التصويت على مجموعة اشخاص بغض النظر عن الامور والتفاصيل وهو يؤدي الى مزيد من الاستقطاب الطائفي والاثني ونجح هذا النظام الى حد كبير، وجرى ذلك خلال انتخابات 2005 لعدم وجود قاعدة انتخابات الا على مستوى المحافظة لكن الاحزاب احتالت على هذه النظام ورشحت أشخاصاً لا يمتون اليها بصلة وفي انتخابات مجالس المحافظات جرى الحديث عن تبني نظام القائمة المفتوحة لانها أكثر مرونة وتتيح للناخب ان يختار بحرية. لذلك كان النظام الأمثل وقد وضعناه نحن العراقيين لأول مرة، هو نظام القائمة المفتوحة نسبياً الذي يجمع بين مزايا القائمة المفتوحة والمغلقة فهو من جهة يمكن للناخب ان يصوت للقائمة ومن جهة اخرى ان يختار مرشحا.
داخل القائمة بارادته لاختيار ذلك المرشح وجرت الانتخابات وفق هذا النظام وهو نظام فعال جدا بدليل ان دراستنا التحليليلة للنتائج اظهرت ان 73% من الناخبين اشروا لأشخاص داخل القوائم لمرشحين وهذا يدل على ارتفاع الوعي للناخب وفعالية النظام الانتخابي ولكن هذا النظام لانه حديث ونتعامل معه للمرة الاولى ونحن نحصي اصوات المرشحين والكيانات كان لا بد له ان ترافقه بعض المشاكل.
وفيما يخص قضية (الصفر) فقد كانت هنالك اخطاء في ملء الاستمارة وكانت هنالك اصوات لمرشحين مجموعها لا يتساوى مع مجموع الكيان او اسماء المرشحين غير واضحة فالقرار اتخذ ان اصوات المرشحين تم ادخالها بناء على بعض القواعد القانونية بأخذ اصوات الكيان والغاء اصوات المرشحين وان ذلك يجب ان لا يؤثر بحيث انه لا يوجد مرشح يستحق مقعد وخسر هذا المقعد بسبب التصفير وبالفعل ان جميع الذين اخذوا صفر لا يستحقون مقعدا وايضا لم يتضرر الكيان وان غاية هذا النظام الانتخابي اولا ان جميع الاصوات سواء المدلى بها للمرشحين او للكيان تحسب للكيان، هذا في نظام التمثيل النسبي، وبخصوص قضية المساءلة والعدالة فانه جرى حديث كثير، وان المفوضية جهة مهنية فنية تنفيذية وتطبق القوانين العراقية وليس لها ان تمنع تطبيق قانون كما ان ليس لها ان تمنع قانوناً بحجة عدم دستوريته، وهذا ما قررته المحاكم العراقية الاتحادية.
وهنالك من يتحدث ان قانون المساءلة والعدالة غير دستوري ومن يطعن بعدم دستوريته ليتوجه الى الجهة المسؤولة وهي تبين ما هو دستوري او غير دستوري، وهي المحكمة الاتحادية العليا، وما من احد من الكيانات السياسية حتى الان توجه بالطعن لعدم دستورية القانون، وبرغم كل هذا الجدل هذا القانون شرع قبله قانون اجتثاث البعث، وكان الامر صادراً عن سلطة الائتلاف وبعد ذلك مجلس النواب الموقر اصدر قانون الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة وهذا القانون نصّ على ان هيئة الاجتثاث تحمل هذا الاسم وتقوم باعمالها وفقا لهذا القانون الى حين تشكيل الهيئة المشار اليها في هذا القانون، ولذلك قراراتها ملزمة للمفوضية اضافة الى ذلك على الرغم من ان على قانون الاحزاب اوامر سلطة الائتلاف رقم (1097) لسنة 2004 يعطي السلطة الحصرية في تنظيم وتسجيل الاحزاب وسحب المصادقة عنها للمفوضية وكان احد الدفوع او الطعون الواردة ان هذه سلطتكم الحصرية ولا تتدخل بها هيئة المساءلة والعدالة وانا اتحدث عن الاطار القانوني ولا يهمني الاطار السياسي وانا غير معني به وهذا القانون يشير الى انه لا يعمل بأي قانون يتعارض مع احكام هذا القانون وبالتالي لا قيمة لاي قوانين اخرى ازاء الاحكام الصادرة لهذا القانون وقد صدر من المفوضية قرار بقبول طلب هيئة المساءلة والعدالة لان هناك قضية سابقة كانت المفوضية قد امتنعت عن حذف اسم احد المرشحين بناء على طلب هيئة المساءلة والعدالة وهيئة المساءلة والعدالة طعنت بقرار المفوضية امام المحكمة الاتحادية والمحكمة الاتحادية اصدرت قرارا يلزم المفوضية بتطبيق قرار الاجتثاث باعتبارها جهة تنفيذية ليس لها الحق بتفسير القوانين او التوقف عن تطبيقها بحجة عدم دستوريتها.
لكن المسألة هنا، والاكثر صعوبة وتعقيدا وللمرة الاولى تطلب من المفوضية وهي الغاء كيانات سياسية كون ان رؤساءها او ما يزعم انها تتبنى نهجا عنصريا او طائفيا او تروج لافكار البعث الصدامي كما نصت المادة السابعة من الدستور، وهذا الطلب ليس جديدا فقد اتاني منذ الشهر ونصف لذلك نحن لسنا في عجالة من امرنا في مثل هذا القرار الخطير وقد كتبنا الى المحكمة الاتحادية نستفسر عن دستورية او قانونية هذا الطلب وقد اجابت المحكمة بقرار وقد استند هذا القرار الى نص المادة السابعة ولم يشر من قريب او من بعيد انه ليس دستوريا او ان الجهة غير مخولة او دستورية والان الهيئة القضائية ورئيس مجلس القضاء الاعلى رشح قضاة لهذه الهيئة وهم سبعة قضاة من محكمة التمييز استنادا لقانون الهيئة لذلك هذا هو الجانب القانوني الفني من المسألة وربما هنالك جوانب سياسية نحن غير معنيين بها.
لذلك اتخذنا القرار بابعاد الاسماء الواردة وعددها 499 مرشحا من قبل هيئة المساءلة والعدالة وهؤلاء من حقهم الاعتراض على قرار مجلس المفوضين خلال ثلاثة ايام تبدأ بعد اليوم التالي للنشر في ثلاث صحف ولمدة ثلاثة ايام متتالية امام الهيئة القضائية المكونة من ثلاثة قضاة ويكون قرارها قطعيا وملزما او ان يطعن امام الهيئة التمييزية الخاصة بقضية المساءلة والعدالة وحسب احكام القانون ويكون ملزما للمفوضية وهذه ببساطة حقيقة المشكلة.
بخصوص قضية الكيانات فالمادة السابعة من الدستور التي تحضر أي كيان يروج لافكار البعث الصدامي او ينتهج نهجا عنصريا نحن غير مسؤولين عن تطبيقه، المسؤولة عن تطبيقه هي هيئة المساءلة والعدالة لذلك هذا القرار لا استطيع ان اعطي رأيي فيه لاني قاضٍ ولم يتم اعطاء قرار فيه وهو موضوع نقاشي، النقاش يتناول بعض التفصيلات فيما اذا تمت الموافقة على الغاء هذه الكيانات وهل سيشمل ذلك بعض المرشحين لا سيما ان بعض الكيانات دخلت في ائتلافات واصبحت جزءا منها وهذه الكيانات ذابت في شخصية واحدة وهي شخصية الائتلاف وهذا سيحسم في غضون اليومين القادمين.